الغربة

تخلع عنّا الغربة أهالينا وتكسونا بأهل من غير دمائنا وإخوة لم تلدهم أمهاتنا.

“تحرث الغربة ألسنتنا المزروعة باللغة الأم وتشتل فيها لغات جديدة نجاهد لكي نتفّوه بها. 

تأخذ منّا الغربة ماضينا وتكبسه، مثلما تُكبس قطع الخيار والجزر وثوم العجم، في خوابي النسيان. وتترك للروائح اللاذعة أن تهبّ علينا، في أحايين غير معروفة، فنتلفّت بحثًا”.

الغربة.

هذه بعض الكلمات التي كتبها يومًا في غربتي.

الغربة تجربة صعبة ومؤثرة على الأفراد. فعندما يترك الفرد مجتمعه الأصلي وينتقل إلى مجتمع جديد، يتعرض لتحديات جديدة وصعوبات لا يتوقعها، ويصبح محاطًا بثقافة ولغة جديدة قد لا يكون عليه دراية بها. كما يمكن أن يواجه الفرد تحديات نفسية، مثل الاضطرابات النفسية والتوتر النفسي، والتي يمكن أن تؤثر على صحته العقلية.

علاوة على ذلك، تؤثر الغربة أيضًا على الهوية الثقافية والذاتية للفرد. فعندما يعيش الفرد في مجتمع جديد، يضطر إلى تغيير بعض قيّمه وعاداته وتكيف نفسه مع البيئة الجديدة. وهذا قد يؤدي إلى فقدان بعض الجوانب الثقافية والهوية الأصلية.

“التغيير هو جزء من الحياة، ولكن الاحتفاظ بالجذور والهوية الثقافية هو ما يجعلنا متميزين”.

مع ذلك، يمكن للأفراد تعلم كيفية التكيف والتكامل في المجتمع الجديد والحفاظ على هويتهم الثقافية الأصلية. فعندما يتعلم الفرد اللغة الجديدة ويدرس ثقافتها، يتمكّن من أن يحصل على فهم أفضل للبيئة الجديدة ويحافظ في الوقت نفسه على العادات والتقاليد الثقافية الأصلية.

أتذكر عندما انتقلت لأول مرة إلى تركيا، تعرضت لنوع من أنواع “الصدمة الثقافية” أو “الصدمة الثقافية العكسية” (Cultural Shock) وهو مصطلح يستخدم لوصف المشاعر السلبية التي يشعر بها الأفراد عندما ينتقلون إلى بيئة ثقافية جديدة تختلف كثيرًا عن بيئتهم الأصلية.

وتحدث هذه الصدمة عادةً عندما يواجه الأفراد مفاهيم ثقافية جديدة ومختلفة عن تلك التي يعتادون عليها، وتشمل العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات واللغة.

يمكن أن تتسبب الصدمة الثقافية في شعور الأفراد بالاضطراب والتوتر والإحباط والانعزال والشعور بالغربة، ويمكن أن تتسبب في زيادة المشاكل النفسية والصحية.

ولكن يمكن للأفراد التغلّب على هذه الصدمة من خلال تعلم الثقافة الجديدة وفهمها وتكيّف أنفسهم معها، والتواصل مع السكان المحليين والتعرف على تقاليدهم وعاداتهم، والتعلم عن القيم والمعتقدات الجديدة وتحليل الاختلافات بينها وبين الثقافة الأصلية.

في النهاية، يمكن أن يكون التعرض للصدمة الثقافية تجربة قيمة ومفيدة من خلال توسيع آفاق الأفراد وزيادة تفاعلهم الثقافي وتحقيق تكاملهم في مجتمعات جديدة.

تَغرَّب عن الأوطان في طلب العُلا * وسافِر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة * وعلم وآداب وصحبة ماجد
ففي السفر تظهر معادن الرجل

وجهان لعملة، الاحترام والتكيُّف.

أخيرًا، يجب على الأفراد الحفاظ على القيم والتقاليد الثقافية الأصلية والاحتفاء بها، حتى يتمكّنوا من تحقيق التكامل الحقيقي في المجتمع الجديد. ويجب على المجتمعات الجديدة أن تحترم وتقدر التنوع الثقافي وتعمل على تشجيع التكامل والتفاعل بين الثقافات المتنوعة.

عن الغربة ومآرب أخرى، نقطة.

مشاركة المحتوى:

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *