نجد كثيرون يسعون جاهدين لتحقيق المثالية في حياتهم. يعتقدون أن الوصول إلى مستوى عالٍ من الكمال المفتاح لتحقيق النجاح والسعادة. ولكن هل فكرت يومًا في أن هذا السعي الدائم والمكثّف نحو المثالية قد يكون عدوًا للإنتاجية والتقدم والإنجاز في حياتك؟
في هذه التدوينة البسيطة، سأتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل عن طريق طرح بعض الأفكار التي لطالما استخلصتها ودونتها أثناء تجربتي الشخصية ورحلتي الطويلة للتخلص من هذه الآفة.
تنويه:
هذه المقالة هي تكملة لمقالة «good enough is fine»، المقالة الأولى في مدونتي والمقربة إلى قلبي.
الفكرة #01: السعي نحو المثالية ومشاعر القلق
غالبًا ما يكون سعينا إلى تحقيق الأهداف بشكل مثالي انعكاسٌ لمشاعر القلق التي نعاني منها. يمكن أن يكون هناك خوف من ارتكاب الأخطاء والقلق من أن يقلل ذلك من قيمتنا وليس السعي إلى إنجاز هدفك على نحوٍ مثالي. هذا السعي الشديد يمكن أن يجعلنا نعيش في حالة من التوتر وعدم الارتياح دائمًا.
الفكرة #02: النجاح ليس بالضرورة مرتبطًا بالمثالية
في الحقيقة، يمكن أن نجد أن الأشخاص الأكثر نجاحًا هم أولئك الذين لا يسعون بشدة نحو المثالية. المثالية قد تعرقل قدرتنا على اتخاذ القرارات وتملأنا بالشكوك حيث تؤدي إلى تأجيل المهام بانتظار الظروف المثالية. بدلاً من ذلك، يجب علينا التركيز على العمل وتحسين أداءنا بدلاً من السعي للكمال.
الفكرة #03: معرفة دوافع السعي للمثالية
معرفة الدافع الحقيقي وراء رغبتنا في التميز يمكن أن يساعدنا في التعامل مع الكمالية. هل نحن نسعى لإثبات قيمتنا للآخرين؟ أم نخشى انتقاداتهم ونسعى لتجنب مشاعر الخزي؟ بفهم دوافعنا، يمكننا توجيه جهودنا بشكل أفضل نحو أهدافنا دون أن نكون رهينة للكمالية الضارة.
هل تريد إثبات قيمتك لأبويك؟ عائلتك؟ مديرك في العمل؟ أو حتى لنفسك؟ أن محاولة منك لتفادي مشاعر الخزي والتعرّض لانتقاد الآخرين؟
الفكرة #04: التغلّب على أصوات النقد الداخلية
كثيرًا ما يكون هناك صوت داخلي ينتقدنا، ثمة صوت في مكانٍ ما في عقلك يجلدك ويحبط محاولاتك عن الإنجاز ويخيفك بهواجس غير واقعية. “إذا لم أبذل 110% من طاقتي سيفصلني مديري”، “وجود خطأ مطبعي ليس زلة بسيطة بل دليل على كسلي”.. إلخ.
يمكن أن يكون هذا الصوت سببًا رئيسيًا لاحتجازنا في فخ الكمالية. إدراكنا لزيف هذا الصوت وقدرتنا على تجاهله وتقليل تأثيره على حياتنا يمكن أن تسهم في تحقيق التقدم وزيادة الإنتاجية.
الفكرة #05: تقبل النجاح برغم العيوب – أنت لست مميزًا!
علينا أن ندرك أن النجاح ليس دائمًا مرتبطًا بالمثالية. يمكن أن تكون النتائج السيئة مجرد نتائج سيئة، وليس لها تأثير سلبي على قيمتنا الشخصية. يجب علينا أن نتقبل أنه في بعض الأحيان لن يكون أول محاولة ناجحة، ولكن يجب علينا الاستمرار وتحسين أدائنا بدلاً من الاعتراض على العيوب وانتظار اللحظة المثالية أو لحظة الكمال، حتمًا لن تصل.
تقتات نزعة المثالية على اعتقادك أنك يجب أن تكون مميزًا في كل شيء حتى يحبك الآخرون ويحترمونك، لهذا تعتبر أي خطأ تهديدًا لوجودك.
الفكرة #06: ابذل جهودًا منطقية في مهمتك
لن يكون أي عمل أوّل مثاليًا. يمكن أن نواجه العديد من التحديات والأخطاء في البداية. ومع ذلك، يجب أن نبدأ ونقوم بأول خطوة. تجربتنا الأولى ليست مهمة بالضرورة، ولكن الأهم هو الاستمرار والتحسين تدريجيًا. إذا تمكنا من تجاوز مفهوم الكمالية، سنكون أكثر إنتاجية ونحقق نجاحًا أكبر في حياتنا.
لا تبخل على عملك ببذلك طاقتك فيه، لكن احذر استثمار طاقتك العاطفية في النتيجة حتى لا تضغط على نسفك بما يفوق طاقتك الجسدية والعقلية.
الفكرة الأخيرة: استهلّ هذا الأسبوع بإنجاز المهمة العالقة بين يديك، ولتكن النتيجة ما تكن عليه. واعلم أن سعادتك بإنجازها بعيوبها يفوق إحباطك من التخلّى عنها لأنها ليست مثالية.
على الهامش، تذكّر أن:
أول دورة تدريبية، لن تكون ممتازة.
أول منتج رقمي، لن يكون خارق.
أول بودكاست، لن يجلب ملايين المستمعين.
أول نشرة بريدية، لن تتهافت عليها القرّاء.
لكنك لن تنجح بالوصول إلى أهدافك سوى بعد أول عمل لك.
ضع الكمالية على جنب، وابدأ.
كن التالي في النجاح
مقال رائع كالعادة، ولكن
أن تسعي نحوا الكمال ليس عيبا، بل العَيبُ أن تٌقيّم ما تصنع دائما بنقص أو بسلبية، خوفا من أن يتهموك بعدم الكمال، وتذكر دائما “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”